الخليج

في ظل تحول الاقتصاد العالمي نحو الرقمنة والابتكار، تبرز منطقة الخليج، وخصوصاً دولة الإمارات العربية المتحدة، كواحدة من أكثر النظم البيئية ديناميكية وجاذبية لاستثمارات الشركات الناشئة في مجال الحلول التكنولوجية. لم يعد الاقتصاد الخليجي يعتمد فقط على عوائد النفط، بل أطلق العنان لرؤى طموحة لتنويع القاعدة الاقتصادية، معتبراً قطاع التكنولوجيا والابتكار ركيزة أساسية للمستقبل. هذا التحول الاستراتيجي ولّد فرصاً استثمارية هائلة، مدعوماً بحزمة متكاملة من المبادرات الحكومية الجريئة، سواء على صعيد التشريعات المرنة أو الاستثمار النقدي المباشر، مما جذب بدوره اهتمام واستثمارات كبرى الشركات العالمية.

 

طفرة غير مسبوقة: لماذا تنجذب رؤوس الأموال إلى بيئة الشركات الناشئة في الخليج؟

 

تشير الأرقام إلى قصة نجاح متسارعة. وفقاً لتقرير “ماغنيت” Magnitt، حصلت الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على استثمارات قياسية بلغت حوالي   3.94 مليار دولار في عام 2023  ، على الرغم من التحديات العالمية. وكان لدول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها الإمارات والمملكة العربية السعودية، النصيب الأكبر من هذه الجولات التمويلية. العوامل الجاذبة متعددة: بنية تحتية تكنولوجية عالمية المستوى، نسبة انتشار عالية للإنترنت واستخدام الهواتف الذكية، شريحة سكانية شابة ومتعلّمة تكنولوجياً، ووفرة في رأس المال الجريء والمستثمرين الملائكيين الأثرياء الباحثين عن فرص عالية العائد.

 

الإمارات في المقدمة: تشريعات داعمة واستثمارات حكومية ضخمة تُسرّع النمو

 

تتصدر دولة الإمارات المشهد بلا منازع، حيث استحوذت على   حوالي 30% من إجمالي صفقات التمويل في المنطقة في 2023  . هذا التفوق لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج سياسات حكومية استباقية. على الصعيد التشريعي، أطلقت الدولة حزمة من القوانين المُحفزة مثل قانون الشركات الجديد الذي يسمح بنسبة   100% من الملكية الأجنبية  ، وإنشاء “المنطقة الاقتصادية الابتكارية” في أبوظبي، وإصدار “التراخيص التجارية المؤقتة” في دبي لتجربة النماذج الأولية. كما أطلقت “تأشيرة الشركات الناشئة” و”تأشيرة المواهب الرقمية” لجذب العقول والكفاءات من كل أنحاء العالم.

 

العملاقان: “مبادلة” و”ADQ”.. محركان رئيسيان للابتكار في أبوظبي

 

يتجاوز الدعم الحكومي الإطار التشريعي إلى الاستثمار النقدي الفعلي. في أبوظبي، تبرز صندوقا “مبادلة للاستثمار” و”ADQ” كأذرع استثمارية استراتيجية. حيث أطلق “ADQ” منصة “حِروفي” G42 التي تستثمر مليارات الدولارات في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية وعلوم البيانات. كما تستثمر “مبادلة” بشكل كبير في القطاع التكنولوجي محلياً وعالمياً. هذه الصناديق السيادية لا توفر رأس المال فحسب، بل تفتح الأبواب أمام الشراكات الاستراتيجية والوصول إلى الأسواق العالمية.

دبي: عاصمة ريادة الأعمال ووجهة “يونيكورن” الشرق الأوسط

 

تحولت دبي إلى عاصمة لريادة الأعمال في المنطقة، حيث تستضيف حاضنات ومسرعات أعمال عالمية مثل “دبي فيوتشر فاونديشن” و”تشين تراكر” Chinaccelerator. كما شهدت الإمارة إدراج أولى شركات “اليونيكورن” (الشركات الناشئة التي تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار) في البورصة المحلية، مثل “سوق دوت كوم” و”إيرسيلا” Airsela، مما وفر مساراً واضحاً للخروج للمستثمرين. منطقة دبي للإنترنت (DIC) ومدينة دبي للمستقبل أصبحتا مركزاً لأكثر من   3000 شركة ناشئة وتقنية  ، تعمل في مجالات بلوك تشين، والميتافيرس، والذكاء الاصطناعي.

 

جذب العمالقة: استثمارات مباشرة من الشركات العالمية تضع المنطقة على الخريطة

 

لم يعد الجذب محلياً أو إقليمياً فقط، بل أصبحت الاستثمارات العالمية المباشرة سمة مميزة. أعلنت شركة “مايكروسوفت” عن استثمار   1.5 مليار دولار   في شركة “حِروفي” G42 الإماراتية، في صفقة استراتيجية تركز على الذكاء الاصطناعي والبنية السحابية. كما ضخت “ألفابت” Google الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية الرقمية في المنطقة. شركات رأس المال الجريء العالمية مثل “أندريسن هورويتز” Andreessen Horowitz و”سي كيوينتشر” Sequoia Capital بدأت بفتح مكاتب إقليمية أو الاستثمار المباشر في شركات ناشئة خليجية واعدة، مما يعد شهادة ثقة قوية في جدوى النظام البيئي وقدرته على إنتاج شركات قابلة للتوسع عالمياً.

 

تحديات وفرص: مستقبل النظام البيئي للاستثمار في التكنولوجيا الخليجية

 

رغم هذا الزخم، لا تزال هناك تحديات تتعلق بتعزيز عمق سوق رأس المال الجريء، وتنمية المواهب التقنية المتخصصة، وزيادة نسبة مشاركة القطاع الخاص المحلي في الاستثمار في المراحل المبكرة. ومع ذلك، فإن الفرص هائلة. مع توجه رؤى مثل “رؤية الإمارات 2071″ و”رؤية السعودية 2030” نحو الاقتصاد الرقمي، من المتوقع أن تشهد الاستثمارات في قطاعات مثل التكنولوجيا المالية (فينتك)، والتجارة الإلكترونية، والصحة الرقمية، والطاقة النظيفة، والذكاء الاصطناعي التطبيقي، نمواً مضاعفاً.

 

باختصار، أصبحت القيمة الاستثمارية للشركات الناشئة التكنولوجية في الخليج، وبالأخص في الإمارات، واقعاً ملموساً تقوده إرادة سياسية واضحة، واستثمارات حكومية ضخمة، وتشريعات مرنة، واهتمام متزايد من المستثمرين العالميين. هذه المعادلة الناجحة لا تضع المنطقة على خريطة الابتكار العالمي فحسب، بل تصنع منها مركزاً إقليمياً وعالمياً لا غنى عنه لمستقبل التكنولوجيا.

 

سجل في قائمتنا البريدية لتصلك آخر الأخبار

 

تابعونا أيضا على بوابة التكنولوجيا وأخبارها في مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *