الصحافة في عصر الذكاء الاصطناعي

في هذا الموضوع، نتناول كيف تُسهم أدوات ومنصات الذكاء الاصطناعي في مساعدة الصحفي على أداء عمله، وتوفير الوقت والجهد المُهدر في البحث عن المعلومات وتلخيصها وتحليلها، ليتفرغ الصحفي للمهام الإبداعية وابتكار موضوعات جديدة أو أساليب مستحدثة للتغطية الصحفية، يمكن أن يعتمد فيها أيضًا على أدوات الذكاء الاصطناعي لتحقيق نتائج مذهلة.

عائشة العفيفي
رئيس تحرير بوابات التكنولوجيا وأخبارها في الإمارات ومصر

مشهد من غرفة الأخبار

ذات مساء، كان المحررون في إحدى غرف الأخبار يتابعون تغطية عاجلة لانفجار في مدينة كبرى. وسط تواتر الأنباء وتضاربها، ظهر على الشاشة ملخّص أولي للخبر، تمت صياغته في ثوانٍ معدودة، دون أي تدخل بشري. كان نصًا موجزًا، دقيقًا، ويتضمن بيانات أولية وتحليلاً سريعًا لمصدر الحدث. لم يكن هذا نتاج عبقرية صحفي خارق، بل نتيجة عمل نظام ذكي يُحلّل المعلومات فور ورودها وينتج قصة صحفية متكاملة.

 

الواقع الجديد في الصحافة

هذه ليست مشاهد من فيلم خيال علمي، بل واقع نشهده. لقد بدأت أدوات الذكاء الاصطناعي تُعيد تشكيل المهام الصحفية، ليس فقط من حيث السرعة، بل في طريقة التفكير والتحرير والتوزيع.

أولًا: أدوات توليد النصوص الآلية

تُعد من أبرز أدوات الذكاء الاصطناعي، وتُستخدم لكتابة تقارير صحفية قصيرة وروتينية، مثل النتائج المالية، أخبار الطقس، أو المباريات الرياضية. تستخدم إحدى الوكالات العالمية مثلًا أداة لإنشاء آلاف التقارير المالية ربع السنوية، موفرة بذلك وقتًا وجهدًا هائلين، ومُقلّصة من الأخطاء البشرية.

 

ثانيًا: أدوات التلخيص وتحليل البيانات

في زمن تدفق المعلومات، من الصعب على الصحفي مراجعة كل ما يُنشر. وهنا تتدخل خوارزميات التلخيص الذكية، التي تُحلل مقالات، مستندات، وحتى محادثات صوتية، وتستخلص منها جوهر المحتوى. هذه الأداة لا توفر الوقت فقط، بل تساعد في اتخاذ قرار تحريري أسرع وأكثر وعيًا.

 

ثالثًا: أنظمة التحقق من الحقائق (Fact-checking AI)

في عالم ملىء بالأخبار الزائفة، تُعد أدوات التحقق من المعلومات حجر الزاوية في الصحافة المعاصرة. تعمل بعض الأنظمة باستخدام الذكاء الاصطناعي لمقارنة الادعاءات المنشورة مع قواعد بيانات موثوقة، وتقديم تقييم آلي لمصداقيتها. هذه الأدوات لا تُغني عن التحقق البشري، لكنها تُعد مرشدًا سريعًا وفعالًا للصحفيين.

 

رابعًا: أدوات تحليل التفاعل وسلوك الجمهور

ماذا يريد القارئ؟ ما نوع العناوين التي تجذبه؟ كيف يتفاعل مع موضوع معين؟ أدوات الذكاء الاصطناعي، مثل تلك المعتمدة على تحليل المشاعر والبيانات، أصبحت قادرة على تتبع سلوك الجمهور بدقة، وتوجيه الصحفيين لاختيار أفضل وقت للنشر، أو حتى اقتراح موضوعات بناءً على الاتجاهات العامة.

 

خامسًا: الذكاء البصري والصوتي

في مجال الصحافة المصورة والتقارير الصوتية، ظهرت أدوات التعرف على الصور، والتعرف على الكلام وتحويله إلى نص. هذه الأدوات تُستخدم في تحليل مقاطع الفيديو، وتفريغ المقابلات الصحفية بسرعة وكفاءة، مما يُسهّل التحرير ويُسرّع النشر.

 

دور الصحفي في عصر الذكاء الاصطناعي

لكن، وسط هذا الزخم من التطور، تظهر حاجة ملحّة: على الصحفي أن يُدرك أن هذه الأدوات لا تحل محله، بل تعيد تعريف دوره. لم يعد الصحفي هو فقط من يكتب الخبر، بل أصبح موجهًا للمعلومة، محررًا للآلة، ومُشرفًا على الدقة والموضوعية.

 

شراكة جديدة بين الإنسان والآلة

نحن لا نتحدث هنا عن روبوتات تستولي على مكاتب الصحفيين، بل عن شراكة جديدة، تُعيد للصحفي مكانته كمفكر، ومحلل، وراوي حقيقي للقصة. وفي هذا العصر، من لا يتقن استخدام هذه الأدوات، سيجد نفسه بعيدًا عن صدارة المشهد الإعلامي، ولو كان يملك قلمًا مميزًا.

 

استشراف المقال المقبل

في المقال المقبل، سنغوص أكثر في الجانب الأخلاقي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام، والتحديات التي تفرضها هذه التقنيات على مصداقية الصحافة ومسؤوليتها.

 

للتواصل : aisha@eemirates.net

 

سجل في قائمتنا البريدية لتصلك آخر الأخبار

 

تابعونا أيضا على بوابة التكنولوجيا وأخبارها في مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *