الاقتصاد الرقمي في الإمارات

تُعَد دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً عالمياً لتحول اقتصادي غير مسبوق، حيث تتصدر مشهد الاقتصاد الرقمي في الإمارات بمبادرات رائدة واستراتيجيات طموحة جعلتها تتربع على عرش الابتكار التقني في المنطقة. فقد تحولت من اقتصاد يعتمد بشكل رئيسي على الموارد النفطية إلى اقتصاد معرفي متنوع، يجعل من الرقمنة والابتكار ركيزتين أساسيتين لرؤيتها المستقبلية. تشير أحدث التقارير إلى أن مساهمة الاقتصاد الرقمي في الإمارات تبلغ حوالي 9.7% من الناتج المحلي الإجمالي، مع توقعات بارتفاع هذه النسبة إلى أكثر من 20% بحلول عام 2031.

 

استراتيجيات حكومية راسخة: بناء البنية التحتية للمستقبل

 

بدأت رحلة الاقتصاد الرقمي في الإمارات بتأسيس حكومة رقمية متكاملة. أطلقت حكومة الإمارات “الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي” التي تهدف إلى تحسين جودة الحياة وتعزيز التنافسية العالمية من خلال التحول الرقمي الشامل. وتعد “استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031″ و”استراتيجية دبي للذكاء الاصطناعي” من أبرز المبادرات التي وضعت الإمارات على الخارطة العالمية للتقنيات المتقدمة.

 

وفي قطاع التجارة الإلكترونية، شهدت الإمارات نمواً متسارعاً، حيث بلغ حجم سوق التجارة الإلكترونية 27.6 مليار درهم في عام 2023، متوقعاً أن يصل إلى 48.5 مليار درهم بحلول عام 2026، بمعدل نمو سنوي مركب يقارب 15.8%. ويعود هذا النمو الكبير إلى عوامل متعددة، أبرزها ارتفاع معدل انتشار الإنترنت الذي وصل إلى 99%، ونسبة استخدام الهواتف الذكية التي تخطت 95% من السكان.

محركات النمو: ما الذي يدفع الاقتصاد الرقمي الإماراتي؟

 

تتعدد محركات نمو الاقتصاد الرقمي في الإمارات، وتشمل:

 

  أولاً: البنية التحتية الرقمية المتطورة 

تمتلك الإمارات واحدة من أكثر البنى التحتية الرقمية تطوراً في العالم، حيث تحتل المرتبة الأولى عربياً في مؤشر التنمية الحكومية الإلكترونية. واستثمرت الحكومة مليارات الدراهم في شبكات الجيل الخامس، والمراكز البيانات الضخمة، والحوسبة السحابية، مما وفر بيئة مثالية للتحول الرقمي.

 

  ثانياً: منظومة تشريعية داعمة 

أصدرت الإمارات مجموعة من القوانين الداعمة للاقتصاد الرقمي، مثل قانون المعاملات والتجارة الإلكترونية، وقانون حماية البيانات الشخصية، وقانون التجارة الإلكترونية في دبي، مما عزز الثقة في المعاملات الرقمية وحفز المستهلكين والشركات على تبني الخدمات الإلكترونية.

 

  ثالثاً: الشمول المالي الرقمي 

شهدت الخدمات المالية الرقمية انتشاراً واسعاً، مع تزايد استخدام المحافظ الإلكترونية والتحويلات الرقمية وخدمات التمويل التقني (FinTech). حيث تجاوز عدد مستخدمي المحافظ الإلكترونية 8.5 مليون مستخدم في الإمارات، ويتوقع أن يصل حجم سوق الفنتك إلى 2.8 مليار دولار بحلول عام 2026.

 

قطاع التجارة الإلكترونية: وجهة المستهلكين الأولى

 

أصبحت التجارة الإلكترونية في الإمارات واقعاً يومياً للمستهلكين، حيث ينفق الإماراتي في المتوسط 1,648 دولاراً سنوياً على التسوق الإلكتروني، وهي من بين أعلى المعدلات عالمياً. وساهم انتشار منصات التسوق العالمية مثل أمازون ونمشي، بالإضافة إلى المنصات المحلية مثل “نون” و”جوميا” في تغيير عادات الاستهلاك بشكل جذري.

 

وتشهد التجارة عبر الهاتف المحمول (M-commerce) نمواً استثنائياً، حيث تشكل أكثر من 45% من إجمالي مبيعات التجارة الإلكترونية، مع توقعات بارتفاع هذه النسبة إلى 60% بحلول 2026. كما ازدهرت نماذج الأعمال الجديدة مثل التجارة الاجتماعية والتسوق عبر منصات التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت تشكل أكثر من 15% من إجمالي المبيعات الإلكترونية.

 

الاقتصاد الرقمي في الإمارات 2026: رؤية نحو المستقبل

 

بحلول عام 2026، من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الرقمي في الإمارات تحولات جوهرية على عدة مستويات:

 

  على مستوى الحكومة:   ستكتمل منظومة الحكومة الذكية المتكاملة، حيث ستصبح 100% من الخدمات الحكومية متاحة عبر قنوات رقمية ذكية، مع الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي في تقديم الخدمات الاستباقية والتخصيص الكامل للتجربة الرقمية للمواطنين والمقيمين.

 

  على مستوى الشركات:   سيكون التحول الرقمي شاملاً لجميع الشركات الكبرى والمتوسطة والصغيرة، مع توقع أن تصل نسبة الشركات التي تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى 70%، ونسبة استخدام الحلول السحابية إلى 90%. كما ستشهد الإمارات نمواً في عدد الشركات الناشئة التقنية، متجاوزة 5,000 شركة ناشئة في القطاع التقني بحلول 2026.

 

  على مستوى الأفراد:   سيكون المواطن والمقيم في الإمارات جزءاً من منظومة رقمية متكاملة، حيث ستصل نسبة المهارات الرقمية المتقدمة بين السكان إلى 85%، مع نمو كبير في اقتصاد العمل الحر الرقمي الذي يتوقع أن يشمل أكثر من 30% من القوى العاملة.

الاقتصاد الرقمي في الإمارات

التحديات والفرص المتوقعة

 

رغم التقدم الكبير، يواجه الاقتصاد الرقمي في الإمارات بعض التحديات، أبرزها المنافسة الإقليمية والعالمية الشديدة، والحاجة المستمرة لتطوير المهارات الرقمية، وأهمية تعزيز الأمن السيبراني مع تزايد الاعتماد على التقنيات الرقمية. لكن الفرص أكبر بكثير، خاصة مع توجه الحكومة نحو تبني تقنيات الثورة الصناعية الرابعة مثل الميتافيرس والبلوك تشين وإنترنت الأشياء، والتي من المتوقع أن تضيف 15 مليار دولار للاقتصاد الإماراتي بحلول 2026.

 

 

الاقتصاد الرقمي في الإمارات ليس مجرد توجه مستقبلي، بل هو واقع معاش يتطور يومياً. بفضل الرؤية الثاقبة للقيادة، والاستثمارات الضخمة في البنية التحتية، والمنظومة التشريعية الداعمة، والإقبال الكبير من المجتمع والقطاع الخاص، تسير الإمارات بخطى ثابتة نحو تحقيق طموحاتها بأن تكون مركزاً عالمياً للاقتصاد الرقمي. مع اقتراب عام 2026، يمكننا توقع أن تصبح الإمارات نموذجاً يحتذى به عالمياً في التحول الرقمي الشامل، حيث تندمج التقنية في كل جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية، محققةً رفاهية المجتمع واستدامة النمو الاقتصادي في العصر الرقمي.

 

سجل في قائمتنا البريدية لتصلك آخر الأخبار

 

تابعونا أيضا على بوابة التكنولوجيا وأخبارها في مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *